[ من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد :
فإنا بني عبد مناف لم نزل ننزغ من قليب واحد ، ونجري في حلبة واحدة ، وليس لبعضنا على بعض فضل ، ولا لقائمنا على قاعدنا فخر ، كلمتنا مؤتلفة ، وألفتنا جامعة ، ودارنا واحدة ، ويجمعنا كرم العرق ، ويحوينا شرف الفخار ، ويحنو قوينا على ضعيفنا ، ويواسي غنينا فقيرنا ، قد خلصت قلوبنا من دغل الحسد ، وطهرت أنفسنا من خبث السجية ، فلم نزل كذلك حتى كان منك من الإدهان في أمر إبن عمك ، والحسد له ، وتضريب الناس عليه ، حتى قتل بمشهد منك ، لا تدفع عنه بلسان ، ولا يد ، فليتك أظهرت نصره حيث أشهرت ختره ، فكنت كالمتعلق بين الناس بعذر وإن ضعف ، والمتبري من دمه بدفع وإن وهن ، ولكنك جلست في دارك تدس إليه الدواهي ، وترسل عليه الأفاعي ، حتى إذا قضيت وطرك منه أظهرت شماتة ، وأبديت طلاقة ، وحسرت للأمر عن ساعدك ، وشمرت عن ساقك ، ودعوت إلى نفسك ، وأكرهت أعيان المسلمين على بيعتك ٠
ثم كان منك بعدما كان من قتلك شيخي المسلمين أبي محمد طلحة وأبي عبد الله الزبير ، وهما من الموعودين بالجنة ، والمبشر قاتل أحدهما بنار الآخرة ، هذا إلى تشريدك بأم المؤمنين عائشة ، وإحلالها محل الهوان ، مبتذلة بين أيدي الأعراب ، وفسقة أهل الكوفة ، فمن بين منتهر لها ، وبين شامت بها ، وبين ساخر منها ٠
أترى إبن عمك كان بهذا لو رآه راضيا ، أم كان يكون عليك ساخطا ، ولك عنه زاجرا ، أن تؤذيه في أهله ، وتشرد بحليلته ، وتسفك دماء أهل ملته ٠
ثم تركك دار الهجرة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها : ( إن المدينة لتنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد ) فلعمري لقد صح وعده ، وصدق قوله ، ولقد نفت خبثها ، وطردت منها من ليس بأهل أن يستوطنها ، فأقمت بين المصرين ، وبعدت عن بركة الحرمين ، ورضيت بالكوفة بدلا من المدينة ، وبمجاورة الخورنق والحيرة عوضا عن مجاورة قبر خاتم النبوة ٠
ومن قبل ذلك ما عنيت خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام حياتهما ، فقعدت عنهما والتويت عليهما ، وامتنعت من بيعتهما ، ورمت أمرا لم يرك الله تعالى له أهلا ، ورقيت سلما وعرا ، وحاولت مقاما دحضا ، وادعيت ما لم تجد عليه ناصرا ، ولعمري لو وليتها حينئذ لما ازددت إلا فسادا واضطرابا ، ولا أعقبت ولايتكها إلا انتشارا وارتدادا ، لأنك الشامخ بأنفه ، الذاهب بنفسه ، المستطيل على الناس بلسانه ويده ، وها أنا السائر إليك في جمع من المهاجرين والأنصار ، تحفهم سيوف شامية ، ورماح قحطانية ، حتى يحاكموك إلى الله فانظر لنفسك والمسلمين ، وادفع إلي قتلة عثمان فإنهم خاصتك وخلصاؤك والمحدقون بك ، فإن أبيت إلا سلوك سبيل اللجاج الاصرار على الغي والضلال ، فاعلم أن هذه الآية نزلت فيك وفي أهل العراق معك ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ ٠]
كتبه الأستاذ السني الأموي ابو نصر الدلفي العجلي
#المنظومة_الفكرية_السنية #الوعي_السياسي #الجامعة_الأهلية