حين وَصَلَ جيشُ عليّ بن أبي طالب إلى (الرَّقَّة) شرقيّ #الشام ووجد نهر #الفرات أمامه؛ توقّف في مسيره. ولمّا رآه أهلُ البلدة قاموا بِضَمِّ سُفُنهم إليهم كي لا يعبر عليها جيشُهُ إلى الشام. فقام #الأَشْتَر النخعي (وهو أحد القَتَلَة الذين قَتَلوا الخليفة #عثمان بن عفان، وكان من أصحاب علي بن أبي طالب والمُقرَّبين منه) وخَطَبَ متوعداً: «أُقْسم بالله لئن لم تَعْمَلُوا جِسراً يعبر عليه أمير المؤمنين لأجَرِّدَنَّ فيكم السيف ولأقتُلنَّ الرجال ولآخُذنَّ الأموال». فخافَ القومُ وقالوا: «إنه الأَشْتَر، وإنه قَمِنٌ (يعني: جَدِيرٌ أو حَرِيٌّ) أنْ يفي لكم بما حَلَفَ عليه، أو يأتي بأكثر منه». فَنَصَبُوا له جِسْراً وعبرَ عليه عَلِيٌّ وأصحابُه.
هكذا كانت طريقة عليّ بن أبي طالب في حلّ المسائل. كانَ الأَشْتَر النخعي كَلْبَه المُفترس، لا يعرف الرحمة، يُهدّد بلدةً آمِنة تَحَفَّظَت في تأييد عليّ بذبْح رجالها وسَلْب أموالها إنْ لم تَعْمَل في خِدمة جيش أمير المؤمنين.. هكذا كأنّهم ماشِيَة! ظَنَّ عليّ أنه قادر على فرض سلطانه بسيوف القَتَلَة والمتمرّدين والمراهقين وقطاع الطرق، وكل ذلك كان يحدث في معيّته وتحت سمعه وبصره كما نَقَلَ المؤرخون.
يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة في رَدِّه على الرافِضِيّ:
[قال الرافِضِي: «وقال عمر بن الخطاب بالرَّأي والحَدْس والظَّنّ».
والجواب: أنَّ القولَ بالرَّأي لم يختص به #عمر رضي الله عنه، بل عَلِيٌّ كان مِنْ أَقْوَلِهِم بالرأي، وكذلك #أبو_بكر وعثمان وزيد وابن مسعود وغيرهم مِنَ الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون بالرأي. وكان رأيُ عليّ في دِماء أَهْل القِبْلة ونحوِه مِنَ الأمور العظائم.
ومعلومٌ أنّ الرأيَ إنْ لم يكن مذموماً فلا لَوْمَ على مَنْ قال به، وإنْ كان مذموماً فلا رأيَ أعظمُ ذَمّاً مِنْ رَأْيٍ أُرِيقَ به دَمُ أُلوف مؤلَّفة من #المسلمين، ولم يحصُل بِقَتْلِهِم مصلحة للمسلمين، لا في دينهم ولا في دنياهم، بل نَقَصَ الخيرُ عَمَّا كان، وزادَ الشَّرُّ على ما كان.
فإذا كان مِثْلُ هذا الرأي لا يُعابُ به، فَرَأْيُ عُمَرَ وغيره في مسائل الفرائض والطلاق أَوْلَى أَنْ لا يُعاب. مع أنّ عَلِيّاً شَرَكَهُمْ في هذا الرأي، وامتازَ بِرَأْيِه في الدِّماء].
—————
المراجع:
-الكامل في التاريخ، ابن الأثير، الجزء 2، صفحة 633، تحقيق: عمر عبد السلام تَدْمُرِي، صَدَرَ عن دار الكتاب العربي في بيروت سنة 2012م.
-نهاية الأرَب في فنون الأَدَب، شهاب الدين النُّوَيْرِي، الجزء 20، صفحة 61، تحقيق: مجموعة من المحققين، صَدَرَ عن دار الكتب العلمية في بيروت، الطبعة الأولى 2004م.
-منهاج السُّنَّة النَّبوية، ابن تيميّة، الجزء 6، صفحة 111-112-113، تحقيق: محمد رشاد سالم، صدر عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الأولى 1986م.
من جدار الأخ السني الأموي الفاضل الأستاذ أنس غنام