علمانيو سوريا ... ماذا يريدون من الثورة

بقلم: كاظم حامد الربيعي
 في الحروب والمعارك يقف المنافقون وأصحاب المصالح الخاصة والاجندات الحزبية الضيقة على الحياد بانتظار الحسم حتى ينقضوا على الغنائم، او يتزلفوا للفئة المنتصرة، فهم لا يقفون في جهة واضحة وجبهة معينة ليقاتلوا عن مبدأ وقضية عادلة وإنما سعيهم وجهدهم في سبيل تأمين مصالحهم والظفر بشيء من عوائد الانتصار وغنائم الحرب. قد يكون هذا الأمر وارداً في الحروب التقليدية، أما المواجهات المصيرية والحروب الفاصلة فلا يتسع فيها المجال للمتطفلين والمنافقين، وسرعان ما يتساقط الأدعياء قبل أن تضع الحرب أوزارها، وذلك لأن كل طرف في هذه المعركة يعلم أن لا وصول إلى الغاية قبل تنقية صفه وتطهير جبهته حتى يتمكن من المواصلة والمطاولة. فالحروب والثورات تفضح كثيرا من الواجهات والأحزاب، فلا مجال للنفاق والكذب وإخفاء الحقائق ولا بد من الانحياز إلى جبهة معينة والتخندق فيها أو الانسحاب من الميدان. وقد شهدنا منذ انطلاق الثورة في آذار 2011 سقوط كثير من الأسماء والأحزاب المعارضة (هيئة التنسيق الوطنية، المجلس الوطني، بعض الأحزاب الكردية)، قبل أن ينهار النظام نفسه، ولم يكن سقوطها هذا بسبب عجزها عن الاستمرار، وإنما بسبب سعيها في الانقلاب على الثورة وهدم منجزاتها بأفكارها المشبوهة وطروحاتها المسمومة، فهي لم تملك يوماً برنامجاً معارضاًَ لحكم علوي ومن وراءه تحالف شيعي، ولم تعد العدة لحرب عقدية يخوضها التحالف الشيعي ضد "الشعب السوري الناصبي". ربما خرج الشباب السوري- في أول الأمر - مطالباً بالحرية والعدالة، لكن سرعة النجدة الشيعية (من دول الاقليم) للنظام العلوي عززت القناعة بأنها حرب على العقيدة وصراع بين "تشيع" يوشك أن ينتهي وجوده ويتزعزع كيانه في بلاد الشام، وبين "إسلام" يسعى لاستعادة مكانته في السيادة والزعامة بعد عقود من الاقصاء والتحييد والاضطهاد، لذا كان السلاح الديني والتمسك بالهوية والمعتقد الاسلامي مادة البقاء وعنصر القوة في هذه الثورة. استمرت الثورة بعفويتها وفطرتها، فيما تخلف الأدعياء و"المنافقون الطائفيون" لأنهم رأوا أن نجاحها وانتصارها يعني القضاء على آمالهم وطموحاتهم في الحكم والتسلط. وقد فضحت هذه القوى المتطفلة أحقادها على السُنة والدين الاسلامي وأطماعها العمياء في الحكم والرئاسة، فبعض شخصيات المعارضة لم تطق رؤية الصبغة الدينية في المظاهرات وعلمت أن الحق سيعود لأصحابه (أهل السنة) فأصبحت تندد بالديمقراطية الطائفية كما يصفها المعارض العلوي منذر خدام! أما الناشطة الدُرزية ريما فليحان فانسحبت من المجلس الوطني تعصباً لطائفتها حيث رفضت الاعتراف بأن مشاركتهم في الثورة كانت هزيلة. أما أصحاب المطامع من السنة فمنهم من تنكر لمبادئه الدينية كالإخوان الذين نسوا "جهادهم ضد نظام الأسد الأب" وتحالفوا مع العلمانيين، وأعلنوا دستورهم "العهد والميثاق" ليطمئنوا المجتمع الدولي والأقليات المسيحية والشيعية! وآخرون مارسوا الدكتاتورية والتفرد قبل الوصول الى الحكم، واقتتلوا على رئاسة مجلس لم يعترف العالم به اعترافاً كاملاً أمثال برهان غليون وحاشيته. ورغم المواقف المخزية والأداء السيئ للمعارضة في الخارج فإن طموحها بالسلطة ما زال كبيراً، وهم يعلمون أن الأمر لن يتم لهم إلا بالقضاء على المكاسب الثورية ودعم الصيغة التي يريدها الغرب. فموقف الغرب (أميركا وأوروبا) من الثورة لا يختلف عن موقف روسيا والصين، فالجميع يسعى لتعزيز نفوذ الاقليات المسيحية والشيعية إما عبر إطالة عمر النظام العلوي، أو عبر التفاهم حول صيغة مقبولة ترضي أطماعه في سوريا المستقبل، والكلام الذي نسمعه عن دور القاعدة وخطر المتشددين والخوف على مستقبل الأقليات هدفه إبقاء حكم الأقلية بشكل أو بآخر.
 ودور المعارضة العلمانية (المجلس الوطني –الاخواني، هيئة التنسيق) التوطئة والتمهيد للنموذج المقبول غربيا في سوريا، وذلك عبر نسف الحقائق وتشييد صروح من الأكاذيب والأوهام تُساهم في صياغة النسخة الجديدة من حكم الأقلية. وسنتعرض فيما يلي لبعض المواضيع التي يكثر طرحها في الشأن السوري، لكنها توضع في غير سياقها ويراد منها غير ما يسمع المواطن البسيط.
1- سلمية الثورة يدافع كثير من العلمانيين عن سلمية الثورة ليس حرصاً على صورتها أمام المجتمع الدولي وإنما خوفاً من وقوع السلاح بيد السنة الذين سيديرون معركتهم من خلال رؤية واقعية تتفق مع مصلحة البلد وهي – بكل الأحوال- لن تروق لأطماع العلمانيين الذين يخشون ما يسمونه "المد الإسلامي". وقد تعامل المجلس الوطني بسلبية كبيرة مع موضوع "السلاح"، حتى بلغت الاتهامات له حد التآمر والتواطؤ ضد الجيش الحر،وربما في التفاصيل المحجوبة سرد لوقائع المؤامرة.
2- الأسلمة أم العلونة؟ وفقاً لخطاب العلمانيين فإن التحدي الأكبر الذي يواجه البلاد هو "أسلمة الثورة"، لأنه سيؤدي إلى اقتتال مذهبي وانقسام طائفي، وكأن التدين وإظهار الانتماء للإسلام والتمسك بمبادئه وقواعده أصبح المهدد الأول لأمن سوريا والمنطقة!
ولا يصل المرء إلى هذه النتيجة إلا بعد يُلغي جميع التحديات والتهديدات ومنها خطر بقاء "الجمهورية العلوية" ودولة "الأقليات".
 إن الإغفال المتعمد للحقائق الثابتة منذ عقود والتي تشكل السبب الرئيس والمباشر للأزمة السورية (الهيمنة العلوية والاختطاف الشيعي للبلاد)، وافتعال مخاوف وهواجس من ظاهرة حديثة ونتيجة طبيعة ومسلك منطقي (التدين والصبغة الاسلامية للثورة) يعني أن التيار العلماني يسير في اتجاه معاكس ومعارض لتطلعات الشارع، وأن هناك رغبة قوية في إبقاء الصيغة الظالمة التي انتفض عليها الشعب "تسلّط الاقلية".
3- ثورة وطنية يبتغي العلمانيون من وراء إشاعة هذه الفكرة نفي الهوية والصبغة السنية عن الثورة محاولين زج الطوائف والأقليات فيها (كرهاً)، ولابد من التأكيد على أن الهوية السنية للثورة هي الضامن الوحيد لوطنيتها، فالثورة تمثل الشعب السوري السني وتفضح في نفس الوقت الولاء الوطني المزعوم للأقليات التي ما زالت متخوفة من قيام نظام متشدد في حال سقوط الحكم العلوي!.
 إن اصطناع المخاوف وافتعال الهواجس هما الشيء الوحيد الذي قدمته الأقليات للثورة، بل إن أعظم الظلم المقارنة بين نظام الاسد، والنظام المرتقب (مهما كان شكله وانتمائه)، ومجرد انعقاد المقارنة بين الحاضر والمستقبل يؤكد ميل الأقليات نحو التعايش مع ظلم وطائفية العلويين وتفضيل ذلك على عودة الحكم لأصحابه ومستحقيه "السنة".
 4- تبرئة العلويين من دماء السوريين من أهم ركائز الخطاب الانقلابي للعمانيين، والممهد لجعل "الاسلام والهوية السنية" الخطر الأكبر، هو تبرئة العلويين من جرائم النظام وافتعال الأعذار والمبررات الساعية لطمس الحقائق وإنكار ما لا يُحتمل إنكاره بوجه من الوجوه.
 أ-  النظام يختطف الطائفة
ويلاحظ هنا أن المختطَف ليس قطيعاً من البهائم، وإنما ألوفاً من البشر رزقها الله العقل ومتعها بالحس والإدراك لتميز بين الخير والشر والحق والباطل، وللتصدي لهذا الكذب المفضوح لابد من التأكيد بأن الطائفة هي السياج الحامي والحصن الأخير للنظام ولولا التعصب والحقد الذي يتمتع به العلويين لما قامت للنظام قائمة. إن النظام السوري "نظام طائفة" وليس "نظام عائلة" وكل من يسعى لترويج خلاف ذلك فإنما يبني أوهامه على مقدمات فاسدة ليصل الى نتائج غير موجودة تكذبها الأحداث والوقائع منذ آذار 2011، أو على الأصح منذ آذار 1963.
 فرغم هشاشة النظام والفساد الذي ينخر مؤسساته فإنه يستأسد ويظهر شراسة لا مثيل لها حينما يقترب الخطر من مصلحة الطائفة، وهذا الذي يفسر بقاء الحكم العلوي قرابة نصف قرن (1963-؟؟؟)، فعنصر القوة الذي يقاوم جميع نقاط الضعف التي تعتري الجهاز الحاكم في سوريا هو "العصبية الطائفية".
 بل إن استماتة الغرب في إبقاء النظام يعكس إيمانهم بأنه الحامي الفعلي للأقليات، وقد نطق بما يجول في أنفسهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حينما حذّر من قيام نظام سني، فلو كانت الدكتاتورية في سوريا من النوع التقليدي (دكتاتورية سنية مثلاً) لما نجحت في مقاومة غضب الشارع، ولما بقي الغرب يدعمها، وقد رأينا كيف رُفع الدعم عن حكام تونس ومصر وليبيا وكانوا قبل ذلك مقربين من الغرب متواطئين مع سياساته. ب- الفصل بين القادة والأتباع... لماذا يُظلم الطغاة؟
 حينما يتم الحديث عن الطائفة العلوية غالباً ما يتم استخدام عبارات غير منطقية تدور حول نجاح "عائلة" الاسد في كسب تأييد العلويين واستمالتهم وإثارة مخاوفهم، وهذا العبث بالألفاظ واللعب بالحقائق فضلاً عن إزراءه بآدمية العلويين واعتبارهم "بهائم" تُساق إلى الحروب، فإنه في نفس الوقت ظلم كبير للنظام فكيف يتحمل بضعة أفراد مسؤولية الظلم والخراب، ويُبرأ منه الأتباع والأنصار؟ فالشر يكمن في نفوس البشر، ويحتاج الى من يستثمره ويوظفه، أو من يكبته ويغيّره، فالمسؤولية في النهاية تقع على عاتق الفرد العاقل الذي يملك أدوات التمييز والإدراك، أما أن يُعامل كبهيمة لا عقل لها تُعفى من المحاسبة والمساءلة، ويُتجاوز عن أخطاءها فهذا يعني أن نقبل الظلم كضرورة للتعايش مع الآخر! إن الفراعنة والطواغيت صناعة شعبية، وحينما نُعفي الصامتين والساكتين من المسؤولية، ونُغفل الحديث عن المتعاونين والمناصرين فلن نتمكن من إحداث التغيير وإزالة الظلم، ولا مفر من الاقرار بأنه "لولا سيوف العلويين لما نجحت عائلة الأسد في البقاء في السلطة". فالهرب من تشخيص الداء واللاواقعية في معالجة الأزمات والمشاكل يعني القبول بتراكمها ومضاعفة آثارها المضرة، ولعل هذا الأمر من أكبر مداخل الضرر على الثورة السورية لأنه يعني بالضرورة تضييع هوية الجاني والظالم، وهدر حقوق المظلوم، وفسح المجال أمام تسلل العلمانيين الى الساحة وتنصيب "الخطر الاسلامي" كأكبر تحدٍ ينبغي التصدي له، وذلك بعد الانتهاء من تبرئة العلويين!. ج-العلويون أكبر المتضررين من النظام!
 يتطور الكذب السابق ويتفاعل بسرعة لأنه لا يجد من يرده ويفنده، ليصبح العلويون وبدون مقدمات أكبر المتضررين من النظام الأسدي. وبعد هذه الكذبة السمجة يتعسر علينا معرفة الجناة والقصاص من المعتدين والفاسدين، وربما مُنح العلويون شيئاً من الامتيازات لمعاناتهم في ظل النظام السابق الذي لم يكن يمثل إلا نفسه كما يقول السنة الوطنيون! وعلى مذهب هؤلاء فإن حسن نصرالله والمليشيا التابعة له لا تمثل شيعة لبنان، والمالكي ومقتدى الصدر لا يمثلان شيعة العراق، وعلي خامنئي وأحمدي نجاد لا دخل لهم بشيعة إيران ولو سلّمنا بقولهم فإن هذه الشعوب التي رضيت بهؤلاء الطغاة لا تستحق الحياة لأنها أصبحت تهدد مستقبل شعوب المنطقة.
 5- خصوصية النسيج الاجتماعي يستخدم العلمانيون سلاح التنوع الطائفي والقومي لفرض أجندتهم باعتبارها الأصلح للحالة السورية، ولو تأملنا قليلاً لوجدنا أن التنوع هو طبيعة كل البلدان والمجتمعات العربية وليس من خصوصيات القُطر السوري، فالتنوع في هذه الحالة يغدو أداة لسلخ المجتمعات عن مرجعيتها الاسلامية وإحلال النموذج الذي يصلح للجميع إلا للفئة الأكبر والسواد الأعظم (أهل السُنة).
 - إن التنوع والتعدد المذهبي ليس له صورة حسنة أو منظر جميل كما يشيع العلمانيون، فكلما كثرت الطوائف وتعددت المذاهب والديانات اختلفت الآراء والأهواء وتضاربت المصالح والمنافع فالكل يقاتل في سبيل تحصيل المكاسب لحزبه وطائفته لا يلتفت إلى أحد ولا يعبأ بمصائر ومصالح الطوائف الأخرى، فالتعدد مدعاة للتصارع والتنافس والتحارب، والغلبة للأقوى.
 لم يبرز الوجه المزيف لسوريا " التعددية والتنوع" إلا بعد تغول الأقليات وهيمنتها على البلاد، برعاية غربية وإسناد دولي، ولن تكون الشام لغير أتباع محمد النبي الأمي الخاتم صلى الله عليه وسلم الذي بشر أمته بأن المسيح بن مريم سينزل في دمشق ليحكم بشرع محمد عليهما السلام، فسوريا معقل للإسلام وحصن لأهله إلى يوم الحشر.
 6-الدولة المدنية يقدم العلمانيون نموذج "الدولة المدنية" كبديل عن الدكتاتورية، وتتلخص فكرة هذا النموذج "المستورد" بـ"المساواة بين المواطنين بغض النظر عن انتمائهم الديني"، هذا هو الجانب المعلن، أما الجانب الآخر فينص على ضرورة تحييد الشريعة والثقافة الاسلامية عن المجتمع السوري مراعاة لحقوق الأقليات والطوائف. وفي الحقيقة فإن العلمانيين لا يبحثون عن العدالة ولا ينشدون المساواة بين أفراد الشعب كما يزعمون، وإنما يسعون لأي بديل للإسلام مهما كان مصدره، ولما كانت عقيدة "المدنية والديمقراطية" هي السائدة دولياً والمدعومة من القوى الكبرى أصبحت دينهم المعتمد ومذهبهم المستحسن.
 يقول العلمانيون -لا سيما دعاة القومية العربية منهم- إن سياسة التتريك وفرض لغة الاقلية على العرب كانت من أهم أسباب الثورة على الاتراك، والدعوة الى الدولة المدنية تنتهي الى نفس نتائج السياسة التركية المتطرفة، وهي فرض رغبات الأقلية على المجتمعات الاسلامية. وأكبر من ذلك، فالمنطقة تعاني الاضطراب والقلق بسبب انحياز الغرب لدولة اسرائيل ودعمهم لعدوانها ضد محيطها العربي الاسلامي، وهذه الجهود الداعمة يتم ترويجها في إطار إنساني من أجل التعاون والتعايش بين شعوب المنطقة (العرب واليهود)! فالمنطقة كلها تدفع ثمن التعايش القسري مع الأقلية اليهودية في فلسطين وذلك في نظر المجتمع الدولي – عدالة وإنصاف - وإن كان على حساب الملايين من العرب المسلمين، وتقديم مصالح الأقليات على الشعوب وادعاء الحرص على تأمين حقوقها هو من جنس الدعم الدولي لإسرائيل وسياساتها العنصرية.
 بل إن الاضطراب الأكبر الذي تشهده المنطقة منذ عام 2003 (وهو التوسع الايراني) لم يتضخم ويتغول إلا نتيجة الدعم الغربي للشيعة (كأقلية في العالم الاسلامي) على حساب الأكثرية الاسلامية السنية، حتى أصبح التوازن بين الاقلية والاكثرية محط اهتمام القوى الدولية كروسيا والولايات المتحدة، فهم حريصون على تعزيز الهيمنة الشيعية وذلك في إطار الدعوة الى التفاهم والحوار والتعايش وعدم السماح للمتشددين بتعكير الأجواء.
 إن التفسير الأنسب للدعوة الى الدولة المدنية هو الطعن في أهلية النظام السياسي الاسلامي، وعجزه في سياسة الدول وقيادة البشر وحفظ مصالحهم وإنصاف رعاياه من أبناء الأديان والمذاهب المخالفة. فالدولة المدنية صُممت لتناسب مصالح الأقليات الدينية في المنطقة العربية، ثم أصبحت مفروضة على الجميع بحجة كفالتها للمساواة بين مختلف الطوائف، فدعاة "المدنية" حريصون على تصوير بلداننا على أنها خليط معقد من الطوائف لا يصلح لها إلا النموذج العلماني دون أي اعتبار لثقافة ومعتقد الأكثرية،وبالتالي فهو سلخ للمجتمعات والسياسات عن الدين والتراث والتاريخ،وإدارتها بمنهج ونظام غربي مسيحي يناسب أطماع دول الهيمنة. العلمانية بين الغرب والعرب يستخف العلمانيون بعقولنا حينما يحيدون عن سياسات الغرب المسيحي البعد الديني ربما لأنه استقر في العقول وانطبع في الأذهان أن زعماء أوربا وأميركا لا يطيلون اللحى ولا يرتدون لباس الرهبان فسياستهم تبع لملبسهم ومظهرهم الخارجي!.
وغرض العلماني من ذلك هو دمغ التطرف والتشدد والغلو بالمسلمين وحدهم
(وليس ببعضهم) والإصرار على أن الغرب قد انتفض على الكهنة ورجال الكنيسة واختار الحرية والدولة المدنية، ونبذ الدين المسيحي وراء ظهره فلم يقحمه في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمسيحيين. ربما ينطلي هذا الكلام على الجهلة وأنصاف المثقفين والمتعصبين؛ لأن الأوربيين لم ينتفضوا على عقيدتهم إلا بعد أن خبروا فسادها الفكري وإفسادها الاجتماعي فرأوا أنها لا تصلح للحكم ولا يليق بها إلا أن تُحجر بين جدران الكنيسة.
 فاتجاههم نحو المدنية إنما هو إصلاح للداخل وإعادة للبناء وإزالة لركام الرجعية الدينية النصرانية، لكنهم لم يتخلصوا من دينهم ويتبرأوا من تاريخهم كما فعل أذنابهم في بلاد العرب وإنما استخدموه وأحسنوا توجيهه وقد أفلحوا في ذلك، ونسجل لهم وعيهم وإدراكهم لحقيقة معتقدهم، فقد أيقنوا أن دينهم الذي ورثوه عن آباءهم لا يصلح لبناء الإنسان وتشييد العمران وإنما هو وصفة ملائمة للغزو والحرب والسيطرة على البلدان واستعباد البشر،فما كانوا يشتكونه ونجحوا في التخلص من عبئه وثقله، سلّطوه على الأمم المخالفة لهم في المعتقد. بإمكاننا القول بأن العلمانيين الاوروبيين بثورتهم على النموذج الديني البائس أعادوا للنصرانية مكانتها وصوبوا مسارها وحصلّوا لها من المكاسب ما لم يتحقق في سنوات الرجعية الدينية حينما أخذ الدين محلاً لم يكن يوماً له. لذا يُخطئ من يعتقد أن العلمانيين الأوربيين بمذهبهم الجديد قد نزعوا الى الالحاد والكفر بالأديان، بل لقد فقهوا دينهم ووضعوه الموضع الأمثل في حياتهم فأصلحوا شؤؤنهم الداخلية والخارجية، فالإيطالي العلماني دانتي المتمرد على الكنسية حينما كتب "الكوميديا الإلهية" أهان نبي الإسلام رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ووصفه بوصف قبيح، ووضعه في قعر الجحيم، فالعلماني ليس كما يصورونه لا يعبأ بالأديان ويسعى لتحرير الناس من جور أحكامها، فالمسيحي العلماني يرفض تسلّط الدين على المجتمع المسيحي لكنه لا يجد أفضل من لواء الصليب والتعبئة المسيحية للحروب والغزوات والهيمنة على البلاد والثروات. فالغزو الأوروبي والتدخل الخارجي في بلادنا الاسلامية لا سيما في أواخر العهد العثماني إنما هو استكمال للحملات الصليبية التي باركتها كنائس أوربا خلال 3 قرون (1096-1291م).
 ولا تجد للغرب -المتشح بعلمانيته- سياسة تخص المنطقة العربية أو العالم الاسلامي إلا وهي سياسة صليبية محضة، ولو استقرأنا التاريخ القريب (منذ 1830م) لم تكن هذه الحقيقة موضع شك أو ارتياب، بل ومع تراكم هذه السياسات أصبحت أمراً مؤكداً يُسلّم به الجميع. العلمانية العربية اغتر بعض العرب بنهضة الأوروبيين فاستحسن مذهب العلمانية كمنهج للنهضة وسبيل للتحرير والبناء لكنهم لم يفقهوا العلمانية بنسختها المسيحية الأوروبية، فنبذوا دينهم وحاربوا أهله ووصموه "الرجعية والتخلف" وبرزوا لقيادة دولهم ومجتمعاتهم مستغلين نفرة العرب من ظلم الحكم التركي ونظام الخلافة. كان العرب مهيئون لتقبل أي بديل للحكم التركي، لكن جهلهم وتخلفهم الناجم عن الظلم والطغيان جعلهم في غفلة وعجز عن تمحيص وتدقيق المستورد من الثقافات والأفكار كأداة للبناء ومنهج للنهوض الحضاري. أثبتت الانظمة العلمانية والنخب المثقفة فشلها السريع والذريع في قيادة أممها، وأدركت أنها لن تنجح في سياسة مجتمعات مسلمة بمناهج وادوات غربية مسيحية، لكنها أصرت على فرض مذهبها الفاسد بالقوة، والترويج لأفكارها المعادية للمبادئ الاسلامية. ورغم قبح منظرها وتراكم فسادها وسوء نتاجها فإن أنصار العلمانية العربية يدافعون عن شريعتهم القمعية ودينهم الاقصائي ويقدمونه للناس على أنه الغاية والنهاية في الرقي والمثالية مقابل وحشية وهمجية الاسلام. وقد تعمدت الاتيان بمفردتي "الشريعة" و"الدين" حتى نؤكد أن العلمانية دين قائم على معاداة دين الاسلام ووصفة قابلة للتغير والتحول على هيئة اي مذهب أو طريقة دينية تصطدم بالشريعة الاسلامية. ويلجأ المعادون للإسلام إلى المنهج العلماني حتى لا يُتهموا بالطائفية والتعصب الديني مع أن سلوكهم لا يختلف مع سلوك فرسان الصليبية والجماعات المتشددة. المنطق التكفيري...بنسخته العلمانية كما أسلفنا فإن العلمانية الأوروبية لم تكن تمرداً على الدين ورفضاً لقيوده وأغلاله، وإنما جاءت لتصويب مساره وإعادته الى مكانه الصحيح، فالسياسات والأفكار المسيحية بثوبها العلماني تستهدف المجتمعات والدول الاسلامية مستخدمة أسلحة وأساليب جديدة تتناسب مع الهيئة الجديدة للديانة المسيحية المزورة. لقد فهم الغرب حقيقة ديننا الاسلامي وأنه لا يرضى بدون السيادة التامة والهيمنة المطلقة وإخضاع الأرض ومن عليها لشرع واحد،ولذلك فهو لا يرضى بالتسليم لأي نسخة محدثة أو مطورة للإسلام (الاسلام التركي، الأميركي، الليبرالي الحداثي) ومهما قدم فقهاء الوسطية والاعتدال صورة جميلة عن الإسلام فلن يتمكنوا من زعزعة الصورة الراسخة في أذهان الغرب عن دين محمد صلى الله عليه وسلم. فالحرص المسيحي على إشاعة أفكاره المهاجمة للإسلام أشد من حرصه على احتلال البلدان والهيمنة على ثرواتها، لأن الثانية تمهد للأولى، ونحن في هذا المقام لا نلوم العدو على أدواته ووسائله المستخدمة لتوسيع نفوذه وإنما الملام يقع على من زعم أن له عقلاً وإدراكاً ثم أخذ يردد مقالة الغرب وطروحاته الفكرية وخطابه الإعلامي. إن العرب القائلين بأن الإسلام يقيد الحريات وينتهك الحقوق، ويُكفّر المخالف ويعود بالحياة الانسانية الى حقب الظلمات والتخلف إنما يتبعون في ذلك دين الأقوى ويميلون الى رأي المنتصر المتفوق (ماديا) دون المبالاة بأي ميزان عقلي أو منطق سليم تعرض عليه هذه الأفكار الفاسدة. وكيف يستقيم القول بمثالية النظم العلمانية الغربية والتبشير بها في الأوساط العربية مع ما يرافقه من تشويه ممنهج لصورة الاسلام ونحن نعيش في منطقة تكتظ بالدول الدينية والحروب العقدية والمشاريع التوسعية على حساب دول الاسلام وخيرات شعوبه. فالغرب العلماني يتحالف مع دولة يهودية في قلب العالم الاسلامي ويتفاهم مع الدولة الايرانية "راعية التشيع" ويُقطعها ما يشاء من البلاد (كالعراق ولبنان وجزء من اليمن) ويطلق يدها في أفغانستان ويدعم الأقليات المسيحية ثم يجبرنا على أن نسلّم بأن سياسته علمانية لا دخل للعامل الديني في توجيهها وتحريكها. حينما نرى تُهم التشدد والتطرف تنهال على المتدينين والمحافظين في عالمنا الاسلامي فهذا يؤكد أننا نعيش تبعية لا مثيل لها للعدو الذي يقتسم أرضنا وينهب بلادنا، وهي طريقة للتهرب من الواقع المر فيُلعن المظلوم ويمدح الظالم ويُعطل العقل وتضطرب الموازين ويذعن الجميع لثقافة الأقوى المتغلب، ويتشكل هذا المشهد الكئيب الكريه وسط دعوات التسامح والمواطنة والتعايش السلمي والحوار بين الحضارات. وإنما قلنا إن العقل معطل والمنطق معزول ومحيد والموازين مضطربة لأن التفكير والنظر والتأمل والتحليل محرم ومحظور في شريعة العلمانيين لأنه سبب للتمرد وطريق للتحرر من أغلال الهيمنة الغربية. إن التكفير والاقصاء والحكم بردة ومروق المخالف سياسة ثابتة وسنة تتبعها كل الأنظمة المستبدة والدول القوية الطامعة في التوسع والتمدد بكافة ألوانه وأشكاله. ولو قارنا بين المنهج التكفيري بنسخته العلمانية الغربية، وبين التكفير الذي يُتهم به المسلمون لوقفنا على صورة قبيحة من الاذعان والتبعية والتقليد الأعمى للغرب وسياساته العدوانية. فالمنطق العلماني يُجرم عملية (11 أيلول 2001) ويرى ضرورة محاربة التطرف والتشدد في الإسلام، ولكنه يتفهم الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان وتدمير مستقبل الشعوب والسطو على خيراتها. لقد أسقط الغزو الأميركي نظام طالبان المتشدد، لكنه في نفس الوقت رفع الشيعة وأحزابهم الدينية الثورية الى عرش العراق بعد إسقاط النظام العلماني السني بقيادة صدام حسين! يسرع الغرب في إسقاط الحكومات السنية المتشددة (إمارة طالبان ونظام صدام) بينما يتغاضون عن الحكومات الشيعية الاكثر تشدداً (طهران، ودمشق، وحزب الله). تتحرج الولايات المتحدة من التدخل العسكري في سوريا لكنها ترسل طائراتها المسيرة (بدون طيار) لتقصف أهدافاً في اليمن وباكستان والصومال. تعتبر الولايات المتحدة تنظيم القاعدة في اليمن من أخطر منابع الارهاب وتسعى للقضاء عليها فيما تكف يدها وتصرف نظرها عن جماعة الحوثيين الشيعة الذين يرفعون شعار "الموت لأميركا".
 سارعت الولايات المتحدة بتسليم صدام حسين الى عدوه الشيعي ليتم إعدامه بطريقة طائفية حاقدة فيما يتمهل الغرب في القصاص من قتلة رفيق الحريري رغم أنهم يتحركون بكل حريتهم ولهم الكلمة الاولى في المنطقة. يتباكى الأميركون على الأقليات الشيعية والمسيحية في العراق ولبنان، فيما يحجبون أنظارهم عن الاقليات السنية في ايران. يدافع الغرب عن الحريات والحقوق المدنية لكنه في نفس الوقت يدعم ويؤسس دكتاتوريات طائفية تحترف عمليات الإبادة والاضطهاد للسنة (مثل النظام العلوي في سوريا، والحكم الشيعي في العراق). سارع الحاكم المدني الاميركي بول بريمر إلى حل القوات المسلحة العراقية بعد الاحتلال عام (2003) لتخلو المنطقة من أي قوة سنية وتصفو الساحة أمام الجيوش الشيعية (فيلق القدس، حزب الله، جيش المهدي وعصابات الأحزاب الدينية العراقية، الحرس الثوري الايراني، الجماعة الحوثية، الجيش السوري والمليشيات العلوية)، وبالرغم من أن هذه المليشيات تحمل عقيدة العداء لإسرائيل والامبريالية الاميركية فإننا لا نرى أي جدية من الغرب في الحد من نشاطها ولجم عدوانها، بخلاف العسكر السني المنشق عن النظام السوري فإنه لم يجد سوى الخذلان والاتهامات والتشكيكات من قبل المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية.
 إن الأنفاس الانجيلية الحاقدة واضحة في طريقة الغرب في التعامل مع السنة والشيعة في المنطقة، فهم لا يقبلون بأي جهة سنية تتبنى قضيتها وتدافع عن حقوقها فالنماذج السنية المفضلة لديهم (تركيا، قطر، والسعودية)، فيما نجد انسجاماً وتفاهماً عالي المستوى مع الجبهة الشيعية الغارقة بدمويتها ودكتاتوريتها (ايران، العراق، النظام السوري،
 حزب الله). إن العقلية الصليبية ما زالت تتحكم بالسياسة الغربية لأن التوازن الذي ينشدونه في المنطقة لا يتم إلا بعد أن يدفع السنة (وخاصة اهل الخليج) الجزية لإيران حتى تكف عن العبث والتخريب وإثارة الفتن. لم تعد البضاعة العلمانية والليبرالية رائجة أو قابلة للتسويق في بلادنا العربية لا سيما بعد أن وجدناها متعايشة مع دكتاتوريات دينية ومتفاهمة من انظمة قمعية ومليشيات متطرفة.
و لا أدري كيف يجرؤ دعاة "المدنية " على الحديث عن نموذج علماني ودولة
"لكل الطوائف والمذاهب" والمنطقة مطوقة بالدول الطائفية والانظمة الدينية والحروب المذهبية، فأين سيكون موقع الدولة المدنية الحديثة التي يُبشر بها العلمانيون والليبراليون؟ وهل سينتظر هؤلاء المبشرون دعماً غربياً، وإسناداً خارجياً لمساعيهم في إقامة الدولة المدنية فإذا كانوا كذلك فيسرنا أن نبشرهم بخيانتهم للثورة والوطن لأنهم يدعون إلى تثبيت حكم الاقلية وبناء نظام ديمقراطي لا يستوعب إلا الاقليات، لأن الغرب لا يمكن أن يمنح الحرية والعدالة والديمقراطية للشعوب السنية، بينما وجدناه يؤسس ويتشبث بأنظمة وحكومات شيعية، فإذا ما تدخل الغرب لصالح أي جهة فإنما يبتغي بذلك تأمين أكبر حصة للأقليات في سوريا المستقبل. وحال الشعوب السنية في أفغانستان وايران والعراق ولبنان يؤكد على ما ذكرنا، وجاءت أحداث الثورة لتفضح الغرب المتشبث بالحكم العلوي والمتخوف من السنة رغم البطش والتنكيل الذي نزل بهم. يتمسك المجتمع الدولي بنظام الأسد ويبدي مرونة عالية مع النظام الايراني ويدعم الحكومة الدكتاتورية في العراق بزعامة المالكي فهل يأتي دعمه للشعب السوري في إطار الحرية والديمقراطية أم لتعزيز الهيمنة الشيعية؟ هل التزمت الأقليات بميثاق التعايش؟ الصورة المثالية التي يسوقها العلمانيون عن الأقليات في عالمنا العربي لا تختلف كثيراً عن الصورة التي يسوقها الغرب الليبرالي عن نفسه كمحرر للشعوب من نير الاستبداد والانظمة المتشددة. حينما أرفض التسليم لما يقدمه العلماني من شواهد وأمثلة على صدق انتماء الأقليات لأوطانها فإنني لا أقدم على ذلك تمرداً على الحق ودفعاً للحقيقة وإنما أنحاز الى المنطق السليم المجرد من الأماني والأهواء والمستند الى الأدلة والبراهين المتكاثرة المتواترة. فالأقلية الدينية كعنصر ضئيل في جسد كبير بينهما تنافر واختلاف فكري واجتماعي لن تميل الى الاندماج والذوبان في الوطن إلا بقدر علمانية النظام السياسي وتشدده ضد المبادئ والثقافة الاسلامية، فالولاء الفعلي للنظام الذي يوفر الحماية والامتيازات لهذه الطائفة أو تلك. تتحكم بالأقليات مشاعر الخوف من الماضي والحرص على تأمين المستقبل "المجهول"، وبين الخوف والحرص تنحصر اهتمامات الطائفة الدينية أو الاقلية القومية، فأين سنعثر على الولاء الوطني وسط أجواء القلق والخوف والرغبة في تعزيز المكانة. فهل خيانة شيعة العراق، واستبداد العلويين في سوريا، وغطرسة المسيحيين والشيعة في لبنان هي الامثلة الواقعية على الولاء الوطني للأقليات، علماً بأن الخيانة والاستبداد والغطرسة تأتي في إطار حفظ حقوق الطوائف وتأمين مستقبلها. لقد أسلمت الأفكار القومية والعلمانية المنطقة لسلطة الأقليات، وبعد أن ضيعنا هوية البلاد العربية والاسلامية وقدمنا الشعوب السنية قرباناً لمبدأ "المساواة بين المواطنين" نقف عاجزين أمام تحالف الأقليات الشيعية المتفاهم ضمنياً (أو علنياً) مع الغرب المسيحي. بينما تطوف فرق الموت العلوية على قرى السُنة، تنضح أقلام الأقليات بالحقد. فالمسيحي سجعان قزي القيادي في حزب الكتائب اللبنانية يقول "إن تطورَّ الأحداثِ في سوريا أظهرَ أنَّ تغييرَ النظامِ القائمِ يحمِلُ في طـيَّـاتِه مشروعاً آخرَ، هو تقريرُ مصيرِ الشعبِ السوريِّ المُتعدِّدِ المكوِّناتِ الإتنيَّةِ والأديانِ والمذاهبِ. فما أن اندلعت الأحداثُ حتى برزَ فَرزٌ طائفيُّ ومذهبيٌّ سريعٌ للشعبِ السوريِّ رافَقَه قتلٌ على الهويَّةِ، فتعطَّلت ديناميكـيَّـةُ الثورةِ جُزئيّاً وتحصَّنَ النظامُ نسبياً. القِوى السُنيّـةُ تحلَّقَت حولَ شعارِ 'الله أكبر'... فالسُنةُ الثائِرون أخافُوا الأقليات". ويدافع عن خيانة المسيحيين ويسميها حياداً فيقول "دورَ مسيحيّي الشرقِ في تقريرِ مصيرِ العالم العربيِّ لا يَفرض عليهم بالضرورةِ أن يكونوا فريقاً في الصراعِ وإن كانوا طليعيين في خِيار الحرية. الدورُ يَتحدّد حسْبَ نوعيةِ الصراعِ وهدفيتِه وحسْبَ قدرةِ المسيحيين على التأثيرِ الإيجابيِّ من دونِ مردودٍ سلبيٍّ عليهم" ويتابع "الحِياد، الذي يلتزم به المسيحيون العرب عموماً من الأحداث الجارية، لا يعبِّر عن جُبنٍ أو استقالةٍ من دورٍ تاريخيٍّ في صناعةِ القرارِ العربيِّ والمصيرِ العربي، بل عن حكمةٍ وواقعيةٍ وحرصٍ على الوجودِ الباقي." وبينما يتمدد العلويون جغرافياً ويهجرون السنة يكتب قزي "نحن المسيحيين، نقولها بصراحة، نحتاجُ إلى قرارٍ إسلاميٍّ يعلن نهايةَ زمنِ الفتوحاتِ والدولةِ الإسلاميةِ لكي نؤمنَ حقيقةً بأن الإسلامَ شريكٌ لا حاكم". أما المعارض العلوي منذر خدام فيقول "لا يمكن قبول ما جاء في نص المادة الثالثة من أن 'دين رئيس الدولة هو الإسلام'، لأنها تتناقض مع مبدأ الحقوق المتساوية للمواطنين" وهو يشير الى الدستور السوري الجديد 2012. ويرفض خدام مطلب الثورة في التدخل العسكري وحق الدفاع عن النفس (الحرب الاهلية) فيقول "في هذه الحالة سوف يفقد الحراك الشعبي طابعه الوطني العام ليتقمص أردية طائفية، بل سوف يتغير هدف الحراك أيضا من كونه هدفا ثوريا وطنيا جامعا يتمثل في إسقاط النظام الاستبدادي ليشيد على أنقاضه نظاما ديمقراطيا تعدديا تداوليا، إلى هدف آخر يتمثل في تحقيق الغلبة الطائفية".
علينا أن لا نلوم هذه الأقلام لأننا نحصد اليوم ما زرعناه بالأمس من التجرد من الهوية الدينية وتسليم الأرض التي فتحها الأجداد للأغراب، ودماء أطفال السنة في سوريا تجري حفظاً للتوازن الطائفي وثمنا للوحدة الوطنية التي حكمنا الأقليات باسمها. بدأ مفهوم التوازن المذهبي بالمساواة في الحقوق وعدم الاقصاء والتمييز، ثم تطور ليصبح الحفاظ على غلبة الأقليات وتسلّطها على مقاليد السلطة في البلاد، وهذا التطور اللامنطقي نتيجة حتمية للقبول بالمساواة بمفهومها المشوه. في شعر الحكمة:
 إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن انت أكرمت اللئيم تمردا حينما أخذت الأقليات حجماً أكبر من حجمهاً ومنزلة أعلى من قدرها ووزنها كان من الطبيعي أن تتمرد وتتوسع وتُغرق المنطقة الى حروب وصراعات دموية، وهذه سنة الوضيع إن رفعته والذليل إن ملّكته. اتفق العرب على ضرورة إزالة إسرائيل وغفلوا عن كون بلدانهم تغص بنماذج مصغرة من دولة اسرائيل، فالدعم الغربي للأقليات لا يقل عن دعمه لاسرائيل، وفي المقابل فإن التعايش مع إسرائيل أهون من التعايش مع حكم العلويين في سوريا أو حزب الدعوة في العراق أو حزب الله في لبنان، وإن كان اليهود قد جاهروا بعدائهم ورغبتهم في سحق العرب، فإن الأقليات الطائفية نشأت وترعرت في ظلال "الوطنية والمقاومة والتعايش" حتى تمكنت وبلغت أعلى مراتب الحكم والنفوذ ثم انقلبت على محيطها وأوسعته تقتيلاً وتشريداً وسحقاً هانت أمامه جرائم المحتلين "الصهاينة". الدين والوطن لله لقد جرّبنا العيش تحت راية "الوطن الجميع" فوجدناه يسع الأقلية دون الأكثرية ولا يرضى لهم حتى بالفتات، فالمسألة ليست متعلقة بحكم ديني أو نموذج إسلامي. فالمسيحيون متعايشون مع الهيمنة الشيعية على المنطقة ولا يخشون سلاح حزب الله وهو حزب جهادي ديني! لقد ذقنا المر والموت والهوان عقوداً من الزمن حينما أشركنا عدونا في ميراث أجدادنا، وجعلنا الأرض التي خلقها الله تعالى لعباده المتقين وأتباع المرسلين، جعلناها من نصيب المجرمين والقتلة والمنحرفين عن الفطرة. إننا لم نملك هذه البلاد يوماً إلا باتباع شرع الله تعالى، ولم تُسلب منا إلا بإعراضنا عن الدين فالخلق والأمر لله، والشرع والحكم لله، والأرض لم تكن يوماً ملكاً لنا لنجعلها قسمة بين "الجميع"، وقد خدع كثيرون بهذه العبارة فدين الله لن يُقام في الفضاء أو بين الموتى في أعماق القبور وإنما على الارض (الوطن) فحينما يكون الوطن للجميع لن يكون الدين لله، بل للمعبود الذي يفرضه المتغلب كـ"المسيحية" أو للمتغلب نفسه كفرعون وبشار الأسد!، فالعلمانية المسيحية تأسيس للدكتاتورية وصناعة للاستبداد.
قال تعالى{إن الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} [الأعراف:128] {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}[الأنبياء:105] {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا} [النور:55].
 فهذه هي شروط مالك الأرض والسماء حتى يستقر الحكم لأهل السنة، ولن يتوقف الأمر عند انتصار الثورة فبقاء الملك مرهون بالاستقامة والالتزام على الأمر الالهي والشرع النبوي {عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون} [الأعراف:129].
 إن في مأساة شعبنا في سوريا شبه كبير من مأساة قوم موسى عليه السلام، فهم كانوا يواجهون الفرعون الذي ادعى الألوهية كما نسبها أتباع بشار الأسد له ولأبيه من قبل، ولعل عاقبة أمر المستضعفين في الشام كعاقبة بني إسرائيل أتباع موسى عليه السلام {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون}[الأعراف:137].
 ماذا يريد العلمانيون وماذا نريد؟ يسعى العلمانيون لتجريد الثورة من عنصر القوة والثبات ومادة البقاء والمطاولة والاستمرار "الدين" حتى يبقى الشعب مجرداً من هويته يقاتل تحالفاً شيعياً ويقتله صمت غربي أو على الأصح تواطؤ مسيحي مع الحكم العلوي. أما السني في سوريا فلا يسعى لغير العدل والانصاف والاصلاح الذين يقترن دائماً بالإيمان بالله والاستقامة على شرعه، ولا يقترن بشرائع الظلم وملل البغي والعدوان
{أم نجعل الذين آمنوا وعمل الصالحات كالمفسدين في الأرض}[ص:28]
فالإيمان والعمل الصالح يتبعه الصلاح الدنيوي أما الكفر والانحراف عن المنهج الالهي فهو لب الظلم وأصل الفساد. والشرع الإسلامي لن يعود للحكم دفعة واحدة بعد غياب عقود طويلة فلا بد من تدرج وتمهل رفقاً بالعباد ودرءاً للفتنة والفساد، فالشريعة الاسلامية جاءت لرعاية مصالح البشر وتجنيبهم الشقاء والتعب،و أول الأمر إعادة الحكم لأهل السنة، أما تطبيق شريعة الاستبداد وإعادة انتاج حكم الأقلية وفرض معادلة "التعايش والمواطنة" على المقياس الطائفي فلن يجلب للبلد إلا التوتر والاضطراب الأمني والسياسي. لن يلتفت العلمانيون الى هذه اللهجة المتشددة المتشنجة والخطاب الطائفي وهذه سنة الأقوام المعرضة عن الحق، فقد خاطب شعيب عليه السلام قومه قائلا {أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقاً حسناً وما أريد أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب} [هود:88] فكان الجواب {ما نفقه كثيراً مما تقول وإن لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز} [هود:91]، وقوم نوح عليه السلام كذلك قالوا لنبيهم {قد جادلتنا فأكثرت جدالنا} [هود:32].
 فالاستبداد بالرأي والبطش بالمخالف من سنن المبطلين والمفسدين، فهم يحرمون انفسهم من التأمل والتفكر في اختيار ما ينفعهم ويقمعون المقابل ويمنعونه من الجدال والحوار والنقاش بالحجة والدليل، أو ما يسمونه "حرية التعبير".

الدكتور أحمد جمعة

برنامج مجلس الطائفة السُنّية في سورية أولوية في الوظائف الحكومية وراتب بطالة لكل أسرة وقطعة أرض ولوح طاقة شمسية وفوقها حبة مسك. ليش؟ هيك أنا طائفي! في سوريا المتجددة ستكون الأولوية تنفيذ مشروع تنمية مستدامة: 1. حل الجيش والأمن وتوزيع السلاح على الطائفة باشراف وتدريب ضباط البلديات، في الإسلام كل الشعب جيش يوفر 75% ميزانية 2 . تعليم جامعي إلزامي، ضمان صحي، سكن للشباب، ماء كهرباء انترنت مجاني 3 . ميزانية مستقلة لكل البلديات، وسائل إعلام، مشيخة الإسلام في الشام 4. ضرائب 0 جمارك 0 بنوك 0 ادفع الزكاة في البلدية تعيش بكرامة وحرية 5. أجر ساعة العمل كحد أدنى 10$ في كافة القطاعات، أمومة النساء سنتين 6. قطع دابر الفساد وأموال "هوامير البلد" لتمويل فرص عمل في البلديات! 7. سلام مع كل دول الجوار سورية منطقة حرة ضمان استقرار يجلب الاستثمار 8. تحفيز استخدام طاقة شمسية شراء فائض كهرباء تعريفة خضراء 0.1$/kWh 9. برمجة وأتمتة قطاع الزراعة ودعم المزارعين = الأمن الغذائي الذاتي 10. مكافحة إرهاب الأقليات الطائفية وتجريم من ينكر المحرقة السنية. خادم الطائفة السُنّية في سورية الدكتور أحمد جمعة

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال